زياد العناني.. شاعر حاول الخروج من خزانة الأسف
رحل الشاعر الأردني الكبير زياد العناني، يوم السبت الماضي، في العاصمة الأردنية عمّان بعد صراع مع المرض وآثار جلطة دماغية أبعدته عن القدرة على التحدث وحدّت من حركته وصحته ونشاطه لمدة تقارب الثلاثة عشر عامًا، ابتداءً من نهاية آب عام 2011. جاء رحيله في يوم يوافق الاحتفالات بالذكرى الـ78 للاستقلال الأردني، ربما كانت إشارة من القدر ليبقى حاضرًا في ذاكرة محبيه وأصدقائه.
زياد العناني كان شاعرًا بارعًا يتميز بحساسية فريدة في الشعر العربي الحديث، حيث كان يسعى لتحرير الذات ومواجهة القيود بقدر ما يمكن. قصائده كانت استجابة لرؤيته الفنية وطموحاته الشخصية، وكانت تعبر بشكل تعبيري عن رحلته الروحية والفكرية بعيدًا عن تفاصيل الحياة اليومية.
رغم الإعاقة التي عانى منها طوال السنوات الثلاثة عشرة الماضية، فإن مكانته الشعرية البارزة لن تتأثر. كانت قصائده تحمل بصمة فريدة، وتعبيراته كانت تتحدى الحياة وتستكشف جوانب مختلفة من الوجود.
زياد العناني كان أحد أبرز شعراء التسعينيات في الأردن والعالم العربي، وقدم إسهامات مهمة في تطوير قصيدة النثر بشكل خاص. كانت مجموعاته الشعرية مليئة بالإبداع والتجديد، وكانت تعبر عن رؤية فريدة للوجود والحياة.
بالإضافة إلى عمله الشعري، كان العناني نشطًا في الصحافة الأدبية والثقافية، حيث نشر قصائده ومقالاته وعمل في عدد من الصحف الثقافية. دواوينه الشعرية كانت محط اهتمام القراء والنقاد، وكانت تعكس رحلته الشخصية والفنية.
ترك العناني وراءه إرثًا شعريًا غنيًا، وستبقى قصائده تلهم الأجيال القادمة وتثير النقاش حول مفهوم الحرية والوجود والإنسانية.
تقديم الديوان الشعري “شمس قليلة” للشاعر باسمه الحقيقي، زياد العناني، لأمه، يمثل إحدى رموز الود والتقدير العميق لشخصها ولدورها الأمومي في حياته. تجسيداً للمهارة الشعرية التي يتمتع بها العناني، يُبرز الديوان هذا الاتجاه الفني الذي يتجلى في استخدام المفارقة والعدول في صياغة الأفكار، مع إعادة صياغة نهايات الأبيات لتناسب الشخصية المخصصة لها.
في “تسمية الدموع”، يظهر الشاعر تجربة متأملة في دمج الصور بالأفكار، حيث يعبّر عن أفكاره بشكل مباشر وبسيط، محاولاً تجسيدها بصور شعرية تنطوي على عمق وتأمل، دون الوقوع في زخارف لغوية مبالغ فيها. يتناول اليوميات والأحداث الطارئة، ويحولها إلى مواد للتفكير والتأمل، مما يعطيها طابعاً جديداً وعمقاً.
من خلال مظاهر البساطة الساحرة في أشعاره، يصل الشاعر إلى القارئ بسهولة دون عوائق، حيث ينتقل من الواقع اليومي إلى بعد وجودي مؤثر، مما يعطي الأمور المألوفة طابعاً جديداً ويفتح أفقاً للتأمل والتحليل.
تأتي “بلاغة العتبات” كأداة بحث وكشف للشاعر، حيث يعتمد على العتبات الشعرية ليعبر عن أفكاره ومشاعره بشكل صادق وعميق. يقتبس من شعراء مختلفين ويتأثر بهم، ولكنه يجد في تلك الاقتباسات ما يعبر عنه وعن قلقه وشتاته الداخلي.
باقتضاب وعمق، يجسّد زياد العناني في دواوينه تجارب شعرية مؤثرة تدعو إلى التفكير والتأمل، وتظل مواضيعه خالدة وملهمة حتى بعد رحيله، فتبقى شعلته مشتعلة بين شعراء العربية الخالدين، ويظل إرثه الشعري يحتضنها وينقلها إلى الأجيال القادمة.