الأكاديمي سامي أيوب: العثمانيون تبنوا تعددية فقهية ودينية والشريعة مشروعية أخلاقية للقانون الحديث
دراسة تاريخ الفقه الإسلامي المتأخر وتحولاته لا يمكن التعامل معها على أنها مجرد دراسة فقهية عادية. بل ينبغي أن تتناول بعمق العلاقة المتبادلة بين الفقه وأجهزة الدولة، مع إدراك واضح لتأثير السياقات التاريخية وتغير المفاهيم في الزمن الحاضر.
في هذا السياق، قام الأكاديمي والباحث سامي أيوب، الذي يشغل منصب أستاذ قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة تكساس أوستن، بدراسة عميقة لعلاقة المذهب الحنفي في فترته المتأخرة مع أكبر سلطنة في التاريخ الإسلامي الحديث. ناقش أيوب الدور التشريعي الذي تولاه السلاطين العثمانيون، وكيف أثر ذلك على كتب الفروع الفقهية التي صاغها المتأخرون في المذهب الحنفي، وكيف نظر الفقهاء إلى القوانين والأوامر السلطانية، مما أدى إلى تأثيرها في مسائل التشريع والاجتهاد الفقهي.
اعتمد الدكتور سامي أيوب منهجاً تاريخياً مبنياً على الأدلة الوثائقية، مع فهم موضوعي لطبيعة الفقه الحنفي وطبيعة مفاهيم السلطة، سواء الحداثية أو ما قبل الحداثية، بهدف رسم خريطة توضح أدوار كل من السلطان والفقيه والقاضي، بالإضافة إلى العلاقة بين قصر السلطان والمحاكم الشرعية وتطلعات الرعية، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.
ومن أجل فهم هذه الديناميكية بشكل أكبر، يستضيف الدكتور سامي أيوب في حواره مع الجزيرة نت، حيث يتحدث عن كتابه “الفقه والدولة والسلطان: الدولة العثمانية وصناعة الفقه الإسلامي” الذي نُشرت نسخته بجامعة أوكسفورد عام 2020، وتمت ترجمته إلى اللغة العربية عام 2023 بواسطة مركز نهوض للدراسات والبحوث.
تعتبر الأسباب التي دفعتني لكتابة هذا العمل القيّم متعددة، ومن أهمها اهتمامي الشخصي بالفقه الحنفي، والذي بدأ مع دراستي لأعمال زين الدين بن نجيم الحنفي المصري (توفي عام 970 هـ) في الأزهر. كانت أعماله بمثابة بوابة لفهم عميق للفقه الحنفي وأصوله وأحكامه. بناءً على هذا الأساس، قمت بكتابة الكتاب باعتماد خلفيتي العلمية في الفقه الحنفي التي اكتسبتها من دراستي في الأزهر.
أما السبب الثاني، فهو اهتمامي بتاريخ السلطنة العثمانية، حيث وجدت في أعمال الفقهاء الحنفية المتأخرين إشارات واضحة إلى الأوامر السلطانية العثمانية. هذا الاكتشاف دفعني إلى البحث الموجَّه نحو فهم العلاقة بين الفقهاء المسلمين والدولة، والتي كانوا مضطرين للتفاعل مع السلطة السياسية القائمة، وهي السلطة العثمانية بشكل خاص.
تتناول الكتاب فترة الإمبراطورية العثمانية من القرن السادس عشر حتى نهاية القرن التاسع عشر. وقد ركّزت بشكل خاص على هذه الفترة لأن معظم الكتابات التي تناولت دور العثمانيين في حكم الإيالات العربية تتبنى منظوراً سردياً قومياً يصف العثمانيين بأنهم محتلون، مما دفعني إلى التركيز على هذه الحقبة بغية فهم أعمق لتلك العلاقة، خصوصا في سياق تفشي الأيديولوجيات القومية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
تُعتبر العثمانيين حكامًا مسلمين على الأراضي الإسلامية، مما منح سلطتهم شرعية سياسية في الحكم. ورغم وجود انتقادات مرتبطة بطريقة حكمهم، إلا أن هذا لا يُنفي وجود فهم جمعي يرى أن السلطة العثمانية كانت تمثل السلطة السياسية الشرعية، وأدعت أنها امتداد للنظم السياسية الإسلامية التاريخية. وفي ضوء ما أدعيته في الكتاب، يُعتبر للعثمانيين الفضل في التشكل المتأخر للمذهب الحنفي.
في الكتاب، تُناقش مسألة قبول الفرمانات والأوامر السلطانية بشكل مطرد في المتون والشروح الفقهية الحنفية من القرن السادس عشر حتى نهاية القرن التاسع عشر. الهدف هو فهم دور تلك الأوامر في تشكيل المذهب الحنفي وتأثيرها عليه.
بالنسبة للمناقشة في الجزء الأول من الكتاب، تُشير إلى بعض الآراء الموجودة حول الدولة والسلطة السياسية في تاريخ المسلمين، مثل مجادلة وائل حلاق. يُعتبر ذلك محاولة لفهم عميق للإطار الفقهي والقضائي الإسلامي، الذي يعتمد بالضرورة على سلطة سياسية تنظمه وتصونه، مما يُظهر أن النظام الفقهي والقضائي يقوم على سلطة سياسية تُحميه وتُدافع عنه.