ثقافة

متحف غريفان في باريس.. كتاب تاريخ ثلاثي الأبعاد يجسّد شخصيات العالم بالشمع

منذ تأسيسه عام 1882، يواصل متحف غريفان الشهير في قلب العاصمة الفرنسية باريس تقديم تجربة بصرية فريدة، تأخذ الزوار في رحلة عبر التاريخ من خلال ما يقارب 250 تمثالًا شمعيًا، تجسّد شخصيات عالمية بارزة في مجالات الثقافة والفن والسياسة والرياضة، إلى جانب شخصيات كرتونية محبوبة تركت أثرًا واسعًا في الذاكرة الجماعية.

ويضم المتحف تماثيل لرموز خالدة صنعت التاريخ، من بينهم الكاتب الفرنسي فيكتور هوغو، والنجمة الأميركية مارلين مونرو، والزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، ليمنح الزائر فرصة استثنائية للتعرّف على هذه الشخصيات كما لو أنه يتصفح كتابًا تاريخيًا نابضًا بالحياة، لكن بأبعاد ثلاثية تحاكي الواقع.

تخليد رموز التاريخ والمشاهير

يحتضن المتحف تماثيل لملوك وقادة فرنسا السابقين، من أبرزهم الملك لويس الرابع عشر المعروف بـ«الملك الشمس»، إضافة إلى علماء عالميين مثل ألبرت آينشتاين، الذين عُرضت تماثيلهم ضمن ديكورات فنية مدروسة تعكس روح كل حقبة.

وفي نوفمبر الماضي، أضاف المتحف تمثالًا شمعيًا للأميرة البريطانية ديانا، تخليدًا لذكراها، بعد وفاتها المأساوية في حادث سير بنفق ألما في باريس عام 1997. وقد صُمّم التمثال وهي ترتدي فستانها الأسود الشهير المعروف بـ«فستان الانتقام»، في تجسيد رمزي لافت لواحدة من أكثر الشخصيات تأثيرًا في القرن العشرين.

كما يضم المتحف درجًا تاريخيًا مصنوعًا بالكامل من الرخام، وصالة مسرحية يزيد عمرها على قرن من الزمن، تتوزع على مقاعدها تماثيل لشخصيات فنية بارزة، من بينها الفنان الفرنسي الأرمني الأصل شارل أزنافور.

صحيفة تتحول إلى مجسمات

وقالت مسؤولة العلاقات الخارجية في متحف غريفان، فيرونيك بيريز، إن فكرة المتحف تعود إلى الصحفي آرثر ماير، مدير صحيفة «لو غالوا» عام 1882، الذي لاحظ أن القرّاء لم يكونوا قادرين على التعرف على ملامح الشخصيات التي تتصدر عناوين الصحف، في وقت لم تكن فيه الصور الفوتوغرافية منتشرة بسبب كلفتها المرتفعة.

وأوضحت أن ماير ابتكر فكرة «الصحيفة ثلاثية الأبعاد»، ليتمكن الجمهور من رؤية الشخصيات المؤثرة مجسدة أمامهم، مشيرة إلى أن المجموعة الأولى عند افتتاح المتحف ضمّت نحو 80 تمثالًا، من بينهم فيكتور هوغو والرئيس الفرنسي آنذاك جول غريفي.

وأضافت أن المتحف لا يزال متمسكًا بروحه الأولى، عبر مواكبة الأحداث وإضافة شخصيات معاصرة تتصدر المشهد العالمي.

أسرار صناعة تماثيل الشمع

وكشفت بيريز أن إعداد كل تمثال شمعي يستغرق نحو ستة أشهر من العمل الدقيق، تبدأ بلقاء أولي مع الشخصية المراد تجسيدها يمتد لساعتين ونصف، يتم خلاله توثيق أدق التفاصيل المتعلقة بلون البشرة والشعر والعينين، واختيار تعبير الوجه المناسب.

وبيّنت أن الجسم يُصنع من مادة البلاستيلين، بينما يُشكّل الرأس من شمع العسل التقليدي، ما يسمح بإضافة الشعر والحواجب واللحية يدويًا، قبل استخدام الطلاء الزيتي لإبراز الملامح النهائية بدقة عالية. أما الملابس، فغالبًا ما تكون قطعًا أصلية تقدمها الشخصيات نفسها للمتحف.

قصة تمثال الأميرة ديانا

وأشارت بيريز إلى أن المتحف كان قد بدأ بالفعل التحضير للقاء مع الأميرة ديانا قبل وفاتها، إلا أن الحادث الأليم دفع الإدارة إلى تأجيل المشروع احترامًا لمشاعر الجمهور. وبعد سنوات، أعادت رواية «الآنسة سبنسر» للكاتبة كريستين أوربان الاهتمام بسيرتها، ما شجّع المتحف على تجسيدها بوصفها رمزًا خالدًا في الذاكرة العالمية.

وختمت بيريز بالتأكيد على أن متحف غريفان لم يعد مجرد مساحة عرض، بل تحول إلى «كتاب تاريخ ثلاثي الأبعاد»، يروي عبر مشاهده المتقنة تاريخ فرنسا والعالم بأسلوب تفاعلي يجمع بين الفن والتقنية والسرد البصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى