دولية

ترامب يكشف عن “فئة ترامب”.. أسطول ذهبي يعيد رسم ملامح القوة البحرية الأميركية

كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الاثنين 22 ديسمبر/كانون الأول، عن خطط طموحة لبناء فئة جديدة من السفن الحربية العملاقة التابعة للبحرية الأميركية، أطلق عليها اسم “فئة ترامب”، لتكون الركيزة الأساسية لما وصفه بـ“الأسطول الذهبي” المجدد. وجاء الإعلان من منتجعه الخاص “مارالاغو”، حيث أكد ترامب أن هذه السفن ستكون “الأسرع والأكبر والأقوى بمئة ضعف من أي سفينة حربية بُنيت على الإطلاق”.

ومن المقرر أن تحمل السفينة الأولى اسم “يو إس إس ديفاينت” (USS Defiant)، وتُقدَّم بوصفها امتداداً حديثاً لسفن الحرب الثقيلة ذات المدافع العملاقة في القرن العشرين، غير أنها ستكون مجهزة بصواريخ متطورة وأسلحة طاقة موجهة بدلاً من المدافع البحرية التقليدية.

لا يمثل هذا الإعلان مجرد برنامج تسليح جديد، بل يعكس تحولاً عميقاً في العقيدة العسكرية الأميركية، والسياسة الصناعية، والرسائل الجيوسياسية لواشنطن. وللمرة الأولى، يرتبط مشروع عسكري بهذا الحجم بشكل مباشر بهوية الرئيس، حيث جرى الإعلان من مقر إقامته الخاص، لا من وزارة الدفاع (البنتاغون)، في إشارة واضحة إلى مركزية ترامب في صياغة هذا التوجه وتجاوزه للأطر البيروقراطية التقليدية.

السفينة المقترحة “يو إس إس ديفاينت”، والتي يمكن ترجمة اسمها إلى “العصية”، ستبلغ إزاحتها ما بين 35 و40 ألف طن، ما يعني عودة السفن السطحية العملاقة التي تراجعت بعد الحرب العالمية الثانية. والأهم من ذلك أنها تمثل قطيعة مع عقيدة “التخفي” التي هيمنت على البحرية الأميركية لعقود، واستبدالها بعقيدة تقوم على الحضور الطاغي و”إثارة الخوف” عبر القوة النارية الظاهرة، وفق توصيف ترامب نفسه.

وأبدى الرئيس الأميركي اهتماماً مباشراً بتفاصيل التصميم، مشيراً إلى أنه سيشارك شخصياً في بعض الجوانب باعتباره “يهتم بالجماليات”، وهو ما يوضح أن مظهر السفينة وشكلها الخارجي يحظيان بأهمية سياسية ورمزية، رغم أن التنفيذ الفعلي سيقوده مهندسو البحرية والصناعة الدفاعية.

غير أن القراءة المتعمقة للمشروع تكشف أن هذا “الأسطول الذهبي” قد يخفي خلفه تحديات هيكلية كبيرة، سواء على مستوى الجدوى التقنية أو الكلفة أو قابلية التنفيذ، ما يثير تساؤلات حول طبيعة هذه السفينة، وما الذي يميزها فعلياً عن غيرها، وإلى أي مدى يمكن تحويلها من فكرة سياسية إلى واقع عسكري.

من الناحية التقنية، يُستخدم مصطلح “بارجة” (Battleship) في وصف هذه السفينة بدافع الحنين التاريخي أكثر من كونه توصيفاً دقيقاً وفق التصنيفات البحرية الحديثة. فالسفينة ستُعرف عملياً باسم “بارجة صواريخ موجهة” (BBG)، وتسعى إلى دمج تقنيات متقدمة وغير مكتملة النضج في هيكل واحد، ما يجعلها مشروعاً عالي المخاطر هندسياً.

يتراوح طول السفينة بين 256 و268 متراً، وهو قريب من طول بوارج “آيوا” الشهيرة في الحرب العالمية الثانية، مع وزن إزاحة قد يصل إلى 40 ألف طن. ويعكس هذا الرقم حجم السفينة الحقيقي وقدرتها على التحمل والاستقرار وحمل الوقود والذخائر، كما يوضح أنها أكبر بكثير من المدمرات والفرقاطات الحديثة، لكنها تظل أصغر من حاملات الطائرات العملاقة.

وبالمقارنة، تبلغ إزاحة مدمرات “أرلي بيرك” نحو 9 آلاف طن، وتحمل 96 خلية إطلاق صواريخ عمودية، في حين يُتوقع أن تحمل سفن فئة ترامب أكثر من 100 صاروخ، متجاوزة أيضاً طرادات “تيكونديروجا” المتقاعدة التي بلغت إزاحتها نحو 10 آلاف طن. ومع ذلك، فإن الطاقم المقلص نسبياً، الذي يتراوح بين 650 و850 فرداً، يشير إلى اعتماد واسع على الأتمتة والذكاء الاصطناعي، ما يفتح الباب أمام مخاطر سيبرانية جسيمة في بيئة الحروب الهجينة.

وباستثناء حاملات الطائرات وسفن الإنزال البرمائي، ستكون فئة ترامب أكبر سفن قتالية سطحية أميركية منذ أجيال. وعلى عكس حاملات الطائرات التي تعتمد على جناح جوي، فإن هذه السفن ستُبنى أساساً كسفن صاروخية، تعتمد على ترسانة صواريخها بعيدة المدى لضرب أهداف على مسافات تصل إلى آلاف الكيلومترات.

دفاعياً، قد تعادل حمولة صواريخ سفينة واحدة من فئة ترامب حمولة عدة مدمرات، ما يعزز قدرات الدفاع الجوي والصاروخي للأسطول في المناطق عالية الخطورة. وفي المقابل، لن تعتمد هذه السفن على دروع سميكة تقليدية، بل على أنظمة دفاع نشطة تشمل الصواريخ الاعتراضية، وأسلحة الليزر، والحرب الإلكترونية، في تحول جذري عن فلسفة “الدروع الثقيلة” القديمة.

أما تسليح السفينة، فيعتمد على منظومة إطلاق عمودي ضخمة تضم 128 خلية، قادرة على إطلاق صواريخ “توماهوك” وصواريخ “إس إم-6” وصواريخ “إيفولفد سي سبارو”، إضافة إلى 12 صاروخاً فرط صوتي من نوع “الضربة السريعة التقليدية” (CPS)، المصممة لضرب أهداف عالية القيمة خلال دقائق.

الجانب الأكثر إثارة للجدل يتمثل في إعادة إدخال الصواريخ النووية إلى السفن السطحية، إذ يُخطط لتجهيز فئة ترامب بصاروخ كروز نووي يُطلق من البحر، ما يحولها إلى منصة ردع إستراتيجية متنقلة، ويجعلها هدفاً رئيسياً في أي صراع محتمل. ورغم أن إدارة بايدن كانت قد اقترحت إلغاء هذا البرنامج، فإن الكونغرس واصل تمويله، وألزم وزارة الدفاع بالمضي قدماً فيه وفق قانون تفويض الدفاع لعام 2024.

كما تتضمن الخطط دمج أسلحة طاقة موجهة متقدمة، تشمل ليزرات عالية الطاقة قادرة على تدمير أو تعطيل الطائرات المسيرة والصواريخ بسرعة الضوء، إضافة إلى ليزرات منخفضة الطاقة مخصصة للتشويش والإبهار. غير أن دمج هذه التقنيات، إلى جانب المدافع الكهرومغناطيسية التي أُوقف برنامجها سابقاً بسبب مشكلات تقنية، يطرح تساؤلات جدية حول جاهزية البنية الطاقية للسفينة وقدرتها على توليد وتخزين هذه الكميات الهائلة من الطاقة.

من الناحية الصناعية، يرتبط “الأسطول الذهبي” ببرنامج “جعل بناء السفن الأميركية عظيماً مرة أخرى”، الذي يسعى إلى معالجة تراجع القاعدة الصناعية البحرية الأميركية. وقد دفع هذا الواقع الإدارة إلى شراكة غير مسبوقة مع كوريا الجنوبية، وتحديداً مع مجموعة “هانوا” الدفاعية العملاقة.

استحوذت “هانوا أوشن” على حوض “فيلي شيب يارد” في فيلادلفيا مقابل 100 مليون دولار عام 2024، مع تعهد باستثمار 5 مليارات دولار لتحديثه، ما يسمح للإدارة بالقول إن السفن تُبنى داخل الولايات المتحدة، مع الاستفادة من الخبرة والكفاءة الكورية. غير أن هذا التوجه يعكس في الوقت نفسه هشاشة الصناعة البحرية الأميركية، خاصة في ظل التأخيرات الكبيرة التي تعانيها برامج الغواصات الحالية.

ويرى خبراء أن الجدول الزمني الطموح الذي طرحه ترامب، والذي يستهدف بدء بناء السفن خلال عامين ونصف فقط، يفتقر إلى الواقعية، نظراً لتعقيد السفن القتالية الحديثة ومتطلبات التصاريح الأمنية والبنية التحتية. وبذلك، يبقى “الأسطول الذهبي” مشروعاً ضخماً تتداخل فيه الطموحات السياسية مع تحديات الواقع الهندسي والصناعي، ما يجعل مستقبله محل جدل واسع داخل الأوساط العسكرية والإستراتيجية الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى